محمد الثبيتي- شاعر الجزيرة العربية الذي استعصى على الفخاخ

المؤلف: محمد الساعد08.23.2025
محمد الثبيتي- شاعر الجزيرة العربية الذي استعصى على الفخاخ

في بادرة تقدير وعرفان لسيد البيد، غرد سمو وزير الثقافة – منذ أعوام خلت- بتغريدة بهيجة على حسابه بمنصة إنستغرام، معنونة بـ (إجلال لسيد البيد الشاعر السعودي محمد الثبيتي) ومرفقة بمقطع صوتي عذب للشاعر وهو يلقي قصيدته الشهيرة سيد البيد. تلك التغريدة لم تكن سوى دليل قاطع على تقدير الوزير ووزارته العميق للثقافة والمبدعين، وإدراكه التام للمكانة الرفيعة التي يتبوأها قامة شعرية كالمرحوم محمد الثبيتي، في موروثنا الثقافي والأدبي السعودي والعربي. فقد أشاد به الأديب والناقد السعودي الكبير سعيد السريحي قائلاً: "لقد انتظرنا ألف حول ليطل علينا الشاعر الفذ محمد الثبيتي، وسنمكث ألف عام أخرى حتى ينجب لنا الزمان شبيهاً له". إن الثبيتي لم يكن نتاج أيديولوجيات دخيلة أو ثقافات مستوردة، بل هو خلاصة نقية لشعرية امرئ القيس، وزهير بن أبي سلمى، وطرفة بن العبد، وعمرو بن كلثوم، وجرير، وعمر بن أبي ربيعة، والمتنبي، بل هو امتداد لكل الأجداد العظام من شعراء جزيرة العرب، مهد هوازن وثقيف ووائل وأزد، وهذيل وبجيلة، وقريش، وسائر القبائل العربية الأصيلة الذين خطوا بأحرف من نور لغتهم وثقافتهم وشعرهم الخالد. الثبيتي، هذا الشاعر الذي نأمل أن يخصه سمو وزير الثقافة بتكريم فخم يليق بأبرز شعراء الجزيرة منذ بزوغ فجر الحداء على ظهور القوافل، ومروراً بعبقرية الشعر على ألسنة النابغة والأعشى، حتى يومنا هذا، لم يكن مجرد شاعر غارق في الرمزية، بل كان بالفعل نابغة هذا العصر وشاعره المتفرّد. يكمن إشكال الثبيتي في أنه وقع في (شرك جسيم)، دون تعمد منه، بل بفعل الظروف المحيطة بظهوره، فقد حسده المتنمرون من المثقفين المستغربين، واستكثروا علينا هذه القامة الشعرية السامقة، وعجزوا عن استيعاب أن يكون شاعرنا الثبيتي بهذه القدرات الشعرية الفائقة وأن يكون سعودياً قحاً في الوقت ذاته، بدوياً أصيلاً قادماً من صحاري وبوادي الجزيرة العربية، من تهامة الحجاز وحواضر نجد، وتناسوا عن قصد أنه سليل عائلة شعرية عريقة أباً عن جد، وليسوا هم. أما المأزق الآخر الذي ألحق ضرراً فادحاً بمتنبي عصرنا، فهو كراهية الصحويين وأذنابهم له، لأنه بزغ نجمه في فترة كانت لهم فيها السيطرة على المشهد المجتمعي، فخافوا من أن يهدم صرحهم الثقافي الهش الذي كانوا يشيدونه، والرواية الأممية التي كانوا يروجون لها، فبعض المنتسبين إليهم كانوا ينشئون تراثاً ثقافياً وشعرياً يركز على قضايا هامشية مثل أفغانستان وكشمير وتورا بورا، فكان من العسير عليهم أن يروا سيد البيد الثبيتي يتربع على عرش الشعر في مملكة العروبة وحاضنة تراثها الأصيل. لا زلت أتذكر تلك الأيام الحالكة و تلك الليالي المفعمة بالإقصاء، حين كانوا يقتحمون صالات الأمسيات الشعرية، وينتزعون الميكروفونات بعنف من أيدي الشعراء والنقاد، ويزجون بهم إلى الشوارع، وما زلت أذكر كيف تشكل تحالف مشبوه بينهم وبين مشرفين على صفحات ثقافية في بعض الصحف، كانت بمثابة الحاضنة الكبرى للكراهية وتلفيق الأكاذيب حول الثبيتي ورفاقه. ما يثير مخاوفي اليوم هو أن هناك من استوعب ترسبات الصحوة وقناعاتها المغلوطة عن الثبيتي، ويعارض بشدة أي مشروع لا ينسجم مع أفكارهم أو لم يخرج من تحت عباءتهم، لا سيما إذا كانوا يمتلكون منصات مؤثرة في العالم العربي، فالترويج لثقافتنا الرائعة ورموزها العظيمة هو أسمى وأجلّ من تصوراتنا الضيقة. إن محمد الثبيتي هو مشروع وطني عظيم، وقامة سعودية شامخة، لن تستطيع النيل منها مجرد أحاديث عابرة أو ترسبات تتسرب بقصد أو بغير قصد، فالثبيتي وظف الرمزية بوعي شعري فذ، مستنداً إلى المكان والزمان الأسطوري، واللغة القرآنية البليغة، ومن منا لا يستلهم من لغة القرآن في يومه وليله، فهي تكاد تصوغنا وتشكلنا، وتسيطر علينا لقوتها وجمالها الأخاذ. فلو أن الثبيتي ترعرع بجوار الرصافة أو زيزفون دمشق أو جميزة بيروت، لوضعه النقاد والشعراء المستغربون على رأس قائمة أعظم شعراء العربية، ولو أنه نظم قصيدة في كشمير، لأصبح سيد الشعر بلا منازع عند صُناع الأوهام.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة